فصل: فصل في وصايا الذمي وغيره

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: رد المحتار على الدر المختار شرح تنوير الأبصار ***


باب الوصية بالخدمة والسكنى والثمرة

لما فرغ من أحكام الوصايا المتعلقة بالأعيان شرع في أحكام الوصايا المتعلقة بالمنافع لأنها بعد الأعيان وجودا فأخرها عنها وضعا عناية ‏(‏قوله صحت الوصية بخدمة عبده وسكنى داره‏)‏ أي لمعين‏.‏ قال المقدسي‏:‏ ولو أوصى بغلة داره أو عبده في المساكين جاز، وبالسكنى والخدمة لا يجوز إلا لمعلوم؛ لأن الغلة عين مال يتصدق به والخدمة والسكنى لا يتصدق بها بل تعار العين لأجلها والإعارة لا تكون إلا لمعلوم‏.‏ وقيل ينبغي أن يجوز على قياس من يجيز الوقف وتمام الفرق في البدائع ا هـ‏.‏ سائحاني ‏(‏قوله مدة معلومة وأبدا‏)‏ وإن أطلق فعلى الأبد، وإن أوصى بسنين فعلى ثلاث، وكذا الوصية بغلة العبد والدار ا هـ‏.‏ مسكين ‏(‏قوله كما في الوقف‏)‏ فإن الموقوف عليه يستوفي منافع الوقف على حكم ملك الواقف ‏(‏قوله وبغلتهما‏)‏ أي العبد والدار وسيذكر الشارح معنى الغلة ‏(‏قوله فإن خرجت الرقبة من الثلث‏)‏ أي رقبة العبد والدار في الوصية بالخدمة والسكنى والغلة، و قيد بالرقبة لما في الكفاية أنه ينظر إلى الأعيان التي أوصى فيها، فإن كان رقابها مقدار الثلث جاز ولا تعتبر قيمة الخدمة والثمرة والغلة والسكنى لأن المقصود من الأعيان منافعها، فإذا صارت المنافع مستحقة وبقيت العين على ملك الوارث صارت بمنزلة العين التي لا منفعة لها فلذا تعتبر قيمة الرقبة كأن الوصية وقعت بها ا هـ‏.‏ أقول‏:‏ ولعل هذا هو المراد من قول الأشباه‏:‏ إن التبرع بالمنافع نافذ من جميع المال تأمل ‏(‏قوله تقسم الدار أثلاثا‏)‏ زاد في الغرر أو مهايأة أي من حيث الزمان، والأول أعدل لإمكان القسمة بالأجزاء للتسوية بينهما زمانا وذاتا، وفي المهايأة تقديم أحدهما زمانا ا هـ‏.‏ قال القهستاني‏:‏ وهذا إذا كانت الدار تحتمل القسمة وإلا فالمهايأة لا غير كما في الظهيرية ‏(‏قوله فلا تقسم‏)‏ أي الدار نفسها، أما الغلة فتقسم‏.‏ قال الأتقاني‏:‏ إذا أوصى بغلة عبده أو داره سنة ولا مال له غيره فله ثلث غلة تلك السنة لأنها عين مال يحتمل القسمة ا هـ‏.‏ فلو قاسمهم البستان فغل أحد النصيبين فقط اشتركوا فيها لبطلان القسمة سائحاني عن المبسوط ‏(‏قوله على الظاهر‏)‏ أي ظاهر الرواية إذ حقه في الغلة لا في عين الدار، وفي رواية عن الثاني تقسم ليستغل ثلثها شرنبلالية عن الكافي ‏(‏قوله وتهايآ العبد‏)‏ لأنه لا يمكن قسمته بالأجزاء ‏(‏قوله فيخدمهم أثلاثا‏)‏ أي يخدم الورثة يومين والموصى له يوما أبدا إلا إن كانت مؤقتة بسنة مثلا، فلو السنة غير معينة فإلى مضي ثلاث سنين، ولو معينة فإلى مضيها إن مات الموصي قبلها أو فيها ثم تسلم إلى الورثة لأن الموصى له استوفى حقه، وإن مات الموصي بعدها بطلت الوصية منح ملخصا ‏(‏قوله هذا‏)‏ أي قسمة الدار ومهايأة العبد أثلاثا ‏(‏قوله بقدر ثلث جميع المال‏)‏ مثاله إذا كان العبد نصف التركة يخدم الموصى له يومين والورثة يوما لأن ثلثي العبد ثلث التركة فصار الموصى به ثلثي العبد وثلثه للورثة فيقسم كما ذكرناه، وعلى هذا الاعتبار تخرج بقية مسائله اختيار‏.‏

‏(‏قوله لأن المنفعة ليست بمال إلخ‏)‏ أي وإنما صح للمالك أن يؤجر ببدل لأنه ملكها تبعا لملك العين والمستأجر إنما ملك أن يؤجر مع أنه لا يملك إلا المنفعة لأنه لما ملكها بعقد معاوضة كانت مالا بخلاف ملكها بعقد تبرع كما نحن فيه سائحاني ‏(‏قوله في الأصح‏)‏ كذا في الملتقى والهداية وغيرهما معللا بأن الغلة دراهم أو دنانير وقد وجبت الوصية بها وهذا استيفاء المنافع وهما متغايران ويتفاوتان في حق الورثة، لأنه لو ظهر دين يمكنهم أداؤه من الغلة بالاسترداد منه بعد استغلالها ولا يمكنهم من المنافع بعد استيفائها بعينها ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله وعليه الفتوى‏)‏ ذكره في الظهيرية حيث قال في الوصية بغلة داره لرجل تؤجر ويدفع إليه غلاتها، فإن أراد السكنى بنفسه قال الإسكاف له ذلك‏.‏ وقال أبو القاسم وأبو بكر بن سعيد ليس له ذلك، وعليه الفتوى، والوصية أخت الوقف، فعلى هذا يكون الفتوى في الوقف على هذا بل أولى لأنه لم ينقل فيه اختلاف المشايخ ا هـ‏.‏ قال العلامة عبد البر بن الشحنة بعد نقله‏:‏ وهذا من حيث الرواية مسلم، أما من جهة الفقه فيظهر الفرق بما ذكره المصنف يعني ابن وهبان بأن الوصية إنما هي بالغلة والسكنى معدمة لها فيفوت مقصود الموصي، بخلاف الوقف عليه فإنه أعم من كون الانتفاع بالسكنى أو بالغلة فينبغي أن يجري الخلاف في الوقف من باب أولى ا هـ‏.‏

وحاصله النزاع مع صاحب الظهيرية في دعواه الأولوية‏.‏ قلت‏:‏ فلو صرح الواقف بأنها للاستغلال فالأولوية ظاهرة، هذا‏.‏ ولكن للعلامة الشرنبلالي رسالة حاصلها أنه لا خلاف في أنه لا يملك الاستغلال مستحق السكنى‏.‏ واختلف في عكسه والراجح الجواز فتأمل‏.‏ ونبه على ذلك في شرحه على الوهبانية هنا وفي كتاب الوقف ‏(‏قوله لأن حقهم في المنفعة لا العين‏)‏ أي حق الموصى لهم والموقوف عليهم، والمراد بالعين الغلة فإنها عين مال كما مر، لكن هذا التعليل يثبت خلاف المطلوب ويصلح تعليلا لعكس هذه المسألة أعني قوله وليس للموصى له إلخ‏.‏ فالصواب أن يقول في بدل المنفعة لا فيها لأن بينهما فرقا في حق الورثة أعني ما قدمناه عن الهداية لكنه لم يعلم من كلامه هذا الفرق اللهم إلا أن يراد بالمنفعة الاستغلال لا الخدمة والسكنى، وبالعين ذات العبد والدار، والإشارة بقوله وقد علمت الفرق بينهما إلى ما قدمه من أن الموصى له بالغلة ليس له قسمة الدار أي لأنه لا حق له في عينها فليتأمل‏.‏

‏(‏قوله ولا يخرج إلخ‏)‏‏.‏ قال في الهداية‏:‏ وليس للموصى له أن يخرج العبد من الكوفة إلا أن يكون الموصى له وأهله في غير الكوفة فيخرجه إلى أهله ليخدمه هناك إذا كان يخرج من الثلث لأن الوصية إنما تنفذ على ما يعرف من مقصود الموصي، فإذا كانوا في مصره فمقصوده أن يمكنه من خدمته فيه بدون أن يلزمه مشقة السفر، وإذا كانوا في غيره فمقصوده أن يحمل العبد إلى أهله ليخدمهم ا هـ‏.‏ وفي أبي السعود عن المقدسي‏:‏ فلو خرج بأهله من بلد الموصي ولم يعلم الموصي ليس له إخراج العبد ‏(‏قوله إلا إذا كان ذلك مكانه إلخ‏)‏ الإشارة على ظاهر عبارة المتن إلى المكان الذي يريد إخراجه إليه وبه صرح في المنح‏.‏ وأما على حل الشارح فالإشارة إلى المخرج الذي هو الموصى له لا إلى الكوفة كما قال ح لعدم ملاءمته لقوله بعده وأهله في موضع آخر‏:‏ وعلى ما قلنا فاسم الإشارة اسم كان ومكانه مبتدأ وأهله معطوف عليه، وفي موضع آخر خبر المبتدإ والجملة خبر كان وفيه تغيير إعراب المتن ويقع له ذلك كثيرا‏.‏ ويجوز إرجاع الإشارة إلى الكوفة والضمير في مكانه للعبد وفي أهله للموصي‏.‏ وعبارة المواهب‏:‏ ولا يسافر به إلا لبلده ‏(‏قوله وبعد موته‏)‏ أي الموصي وهو عطف على قوله في حياة الموصي أي وبموت الموصى له بعد موت الموصي يعود إلخ ‏(‏قوله يعود العبد والدار‏)‏ أي خدمة العبد وسكنى الدار وغلتهما كما عبر الأتقاني لأن ذلك هو الموصى به تأمل ‏(‏قوله بحكم الملك‏)‏ أي ملك الموصي أو ورثته فلا يعود إلى ورثة الموصى له‏.‏ وعبارة الهداية‏:‏ فإن مات الموصى له عاد إلى الورثة لأن الموصي أوجب الحق للموصى له ليستوفي المنافع على حكم ملكه، ولو انتقل إلى وارث الموصى له استحقها ابتداء من ملك الموصي من غير رضاه وذلك لا يجوز ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله ولو أتلفه الورثة‏)‏ أي أتلفوا العبد الموصى بخدمته ‏(‏قوله ولهذا إلخ‏)‏ أي لأجل الغرامة عند الجناية منع مورثهم عن التبرع بأكثر من الثلث لئلا تلزمهم غرامة كل المال لو لزمت فيه الوصية وجنوا عليها، وهذا تعليل عليل سائحاني ورحمتي

‏(‏قوله صح‏)‏ فإذا مات الموصى له بالخدمة يعود إلى الموصى له بالرقبة ‏(‏قوله ونفقته إذا لم يطلق الخدمة إلخ‏)‏ أي لصغر وكذا لمرض وتمامه في الكفاية، لكن في الولوالجية‏:‏ إذا مرض مرضا يرجى برؤه فنفقته على صاحب الخدمة، وإن كان لا يرجى فعلى صاحب الرقبة ‏(‏قوله ونفقة الكبير على من له الخدمة‏)‏ لأنه إنما يتمكن من الاستخدام بالإنفاق عليه عناية ‏(‏قوله فإن جنى فالفداء على من له الخدمة‏)‏ وبعد موته ترجع به ورثته على من له الرقبة لأنه ظهر أنه المنتفع بها وذاك كان مضطرا إليه، فإن أبى يباع فيه، إذ لولا الفداء لكان مستحقا بالجناية ولوالجية وتمامه في الأشباه من القول في الملك ‏(‏قوله وبطلت الوصية‏)‏ أي في صورتي الفداء والدفع وبيانه في السابع من الولوالجية‏.‏

‏[‏تتمة‏]‏

لم يبين ما إذا أوصى بالغلة ولا غلة فيها، وبينه صاحب المبسوط فقال‏:‏ لو أوصى بغلة نخلة أبدا لرجل ولآخر برقبتها ولم تدرك ولم تحمل فالنفقة في سقيها والقيام عليها على صاحب الرقبة، لأن هذه النفقة نمو ملكه ولا ينتفع صاحب الغلة بذلك فليس عليه شيء من هذه النفقة، فإذا أثمرت فالنفقة على صاحب الغلة لأن منفعة ذلك ترجع إليه فإن الثمرة بها تحصل، فإن حملت عاما ثم أحالت فلم تحمل شيئا فالنفقة على صاحب الغلة لأن منفعة ذلك ترجع لصاحب الغلة، فإن الأشجار التي من عادتها أن تحمل في سنة ولا تحمل في سنة يكون ثمرها في السنة التي تحمل فيها أجود منه وأكبر إذا كانت تحمل كل عام وهو نظير نفقة الموصى بخدمته فإنها على الموصى له بالخدمة بالليل والنهار جميعا وإن كان هو ينام بالليل ولا يخدم لأنه إذا استراح بالنوم ليلا كان أقوى على الخدمة بالنهار، فإن لم يفعل فأنفق صاحب الرقبة عليه حتى يحمل فإنه يستوفي نفقته من ذلك لأنه كان محتاجا إلى الإنفاق كي لا يتلف ملكه فلا يكون متبرعا ولكنه يستوفي النفقة من الثمار وما يبقى من ذلك فهو لصاحب الغلة‏.‏ ا هـ‏.‏ ط عن سري الدين ‏(‏قوله فمات والحال إلخ‏)‏ أي مات الموصي في حال وجود ثمرة في البستان ‏(‏قوله له هذه الثمرة‏)‏ أي للموصى له إن خرج البستان من الثلث على ما قدمناه عن الكفاية ‏(‏قوله ضم أبدا أو لا‏)‏ والفرق أن الثمرة اسم للموجود عرفا فلا يتناول المعدوم إلا بدلالة زائدة مثل التنصيص على الأبد، أما الغلة فتنتظم الموجود وما بعرض الموجود مرة بعد أخرى عرفا درر ‏(‏قوله وإن لم يكن فيه ثمرة‏)‏ محترز قوله فمات وفيه ثمرة ‏(‏قوله والمسألة بحالها‏)‏ يعني أوصى بثمرة بستانه بلا زيادة لفظ أبدا فمات ولكن لم يكن فيه ثمرة ‏(‏قوله حين الوصية‏)‏ صوابه حين الموت كما يعلم من السابق واللاحق، وبه صرح الطوري ‏(‏قوله زيلعي‏)‏ قال‏:‏ وإنما كان كذلك لأن الثمرة اسم للموجود حقيقة ولا يتناول المعدوم إلا مجازا، فإذا كان فيه ثمرة عند الموت صار مستعملا في حقيقته فلا يتناول المجاز، وإذا لم يكن فيه ثمرة يتناول المجاز، ولا يجوز الجمع بينهما إلا أنه إذا ذكر لفظ الأبد تناولهما بعموم المجاز لا جمعا بين الحقيقة والمجاز ا هـ‏.‏

‏[‏تنبيه‏]‏

أوصى بغلة أرضه ولا شجر فيها ولا مال له غيرها تؤجر ويعطى صاحب الغلة ثلث الأجر، ولو فيها شجر يعطى ثلث ما يخرج منه‏.‏ ولو اشترى الموصى له البستان من الورثة جاز وبطلت الوصية، ولو تراضوا على شيء دفعوه إليه على أن يسلم الغلة جاز، وكذا الصلح عن سكنى الدار وخدمة العبد جائز وإن لم يجز بيع هذه الحقوق طوري ‏(‏قوله وكرائها‏)‏ الكراء الأجرة، وهو في الأصل مصدر كارى ومنه المكاري بتخفيف الياء مغرب ‏(‏قوله كذا في جامع اللغة‏)‏ وكذا في المغرب أيضا ‏(‏قوله وظاهره دخول ثمن الحور ونحوه‏)‏ أي مما لا ثمر له كالصفصاف والسرو، ثم الحور بمهملتين‏:‏ وهو نوع من الشجر، وأهل الشام يسمون الدلب حورا وهو بفتحتين بدليل قول الراعي أنشده صاحب التكملة كالجوز ينطق بالصفصاف والحور مغرب ‏(‏قوله فيحرر‏)‏ أقول‏:‏ التحرير فيه أنه يدخل نفس الحور لا ثمنه لأن الحور نفس الغلة الموصى بها إذ لا يقصد به إلا الخشب‏.‏ وفي الخانية‏:‏ أوصى بغلة كرمه لإنسان قال الفقيه أبو بكر يدخل القوائم والأوراق والثمار والحطب، فإنه لو دفع الكرم معاملة يكون كل هذه الأشياء كالثمر ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله وولدها‏)‏ أي حملها ولوالجية، وعبارة الزيلعي وغيره والولد في البطن ‏(‏قوله له ما بقي‏)‏ الأوضح له ما وجد‏.‏ قال في المنح لأنه إيجاب عند الموت فيعتبر قيام هذه الأشياء يومئذ ا هـ‏.‏ ط ‏(‏قوله لأن المعدوم إلخ‏)‏ قال في الهداية والفرق أن القياس يأبى تمليك المعدوم إلا أن في الثمرة والغلة المعدومة جاء الشرع بورود العقد عليها كالمعاملة والإجارة، فاقتضى ذلك جوازه في الوصية بطريق الأولى لأن بابها أوسع، أما الولد المعدوم وأختاه لا يجوز إيراد العقد عليها أصلا ولا تستحق بعقد ما أصلا فكذا لا يدخل تحت الوصية، بخلاف الموجود منها لأنه يجوز استحقاقه بعقد البيع تبعا وبعقد الخلع مقصودا فكذا الوصية ا هـ‏.‏

‏(‏قوله ولم تخرج من الثلث‏)‏ الأولى أن يقول وليس له مال غيرها لقوله بعد وإن لم يجيزوا يجعل ثلثها مسجدا ط قوله في سبيل الله‏)‏ أي بلا تعيين إنسان، أما لو أوصى بظهر دابته في سبيل الله، لإنسان بعينه فالوصية جائزة اتفاقا ا هـ‏.‏ غرر الأفكار ‏(‏قوله وعندهما يجوزان‏)‏ أي وقف المنقول والوصية به، وظاهره أن هذه الوصية ليست وقفا وليس كذلك‏.‏ قال في غرر الأفكار‏:‏ جعل أبو يوسف ومحمد مركبة وقفا يكون في يد الإمام فينفق عليه من بيت المال، إذ وقف الكراع والسلاح في سبيل الله جائز عندهما للآثار وللإبل حكم الكراع ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله وفيه نظر‏)‏ أي فيما ذكر من تعليل البطلان‏.‏ أقول‏:‏ وجوابه أنها ليست وصية حقيقية إذ هي في معنى الوقف عنده، وبه صرح في غرر الأفكار كالوصية بجعل داره مسجدا فإنها وقف في المعنى ووقف المنقول عنده لا يجوز فكذا هذه، بخلاف الوصية بالغلة والصوف ونحوهما فإنها تمليك من كل وجه وليست في معنى الوقف أصلا فتدبر‏.‏

‏(‏قوله لم تجز‏)‏ كذا في الغرر، وعزاه في الشرنبلالية إلى الكافي، وقدمنا الكلام عليه عند قوله أوصى بثلث ماله لبيت المقدس جاز، والله سبحانه وتعالى أعلم‏.‏

فصل في وصايا الذمي وغيره

أي المستأمن وصاحب الهوى والمرتدة وهذه الترجمة ساقطة في المنح‏.‏

واعلم أن وصايا الذمي ثلاثة أقسام‏:‏ الأول جائز بالاتفاق، وهو ما إذا أوصى بما هو قربة عندنا وعندهم، كما إذا أوصى بأن يسرج في بيت المقدس أو بأن تغزى الترك وهو من الروم سواء كان لقوم معينين أو لا‏.‏ والثاني باطل بالاتفاق وهو ما إذا أوصى بما ليس قربة عندنا وعندهم، كما إذا أوصى للمغنيات والنائحات أو بما هو قربة عندنا فقط كالحج وبناء المساجد للمسلمين إلا أن يكون لقوم بأعيانهم فيصح تمليكا‏.‏ والثالث مختلف فيه، وهو ما إذا أوصى بما هو قربة عندهم فقط كبناء الكنيسة لغير معينين فيجوز عنده لا عندهما وإن لمعينين جاز إجماعا‏.‏ وحاصله أن وصيته لمعينين تجوز في الكل على أنه تمليك لهم، وما ذكره من الجهة من إسراج المساجد ونحوه خرج على طريق المشورة لا الإلزام فيفعلون به ما شاءوا لأنه ملكهم، والوصية إنما صحت باعتبار التمليك لهم زيلعي ملخصا ‏(‏قوله فهي ميراث‏)‏ أي اتفاقا وإنما الاختلاف في التخريج شرنبلالية ‏(‏قوله لأنه كوقف لم يسجل‏)‏ أي لم يحكم بلزومه، والمراد أنه يورث كالوقف المذكور، وليس المراد أنه إذا سجل لزم كالوقف أفاده في الشرنبلالية ‏(‏قوله وليس هو كالمسجد‏)‏ ليس من تتمة قولهما بل من تتمة قوله جواب عن سؤال تقديره إن هذا في حقهم كالمسجد في حقنا والمسجد لا يباع ولا يورث فينبغي أن يكون هذا كذلك ا هـ‏.‏ ح ‏(‏قوله حتى لو كان المسجد كذلك‏)‏ كما إذا جعل داره مسجدا وتحته سرداب وفوقه بيت كما مر في كتاب الوقف إتقاني‏.‏

‏(‏قوله لمعينين‏)‏ أي معلومين يحصى عددهم معراج ‏(‏قوله فهو جائز‏)‏ أي اتفاقا ولا يلزمهم جعلها كنيسة كما مر ‏(‏قوله في القرى‏)‏ المراد بالقرى ما ليس فيه شيء من شعائر الإسلام وإلا فكالأمصار ذكره القهستاني والبرجندي در منتقى ‏(‏قوله غير مسمين‏)‏ بياء واحدة كمصطفين، وفي كثير من النسخ بياءين وهو تحريف، فإن الياء الأولى حذفت بعد قلبها ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها ‏(‏قوله لما مر أنه معصية‏)‏ أي ولا يمكن جعله تمليكا لعدم تعيينهم، وهذا تعليل لنفي الصحة عندهما ‏(‏قوله وله أنهم يتركون وما يدينون‏)‏ فإن هذا قربة في اعتقادهم، ولذا لو أوصى بما هو قربة حقيقة، معصية في معتقدهم لا يجوز اعتبارا لاعتقادهم‏.‏ والفرق له بين البناء والوصية أن البناء نفسه ليس بسبب لزوال ملك الباني، والوصية وضعت لإزالة الملك هداية ملخصا ‏(‏قوله كوصية حربي مستأمن‏)‏ قيد به، لأن وصية الذمي تعتبر من الثلث ولا تصح لوارثه، وتجوز لذمي من غير ملته لا لحربي في دار الحرب ا هـ‏.‏ ملتقى ‏(‏قوله لا وارث له هنا‏)‏ أي في دارنا، ومفهومه لو كان وارثه هنا لا تجوز بأكثر من الثلث‏.‏ وعبر الزيلعي وغيره من هذا المفهوم بقيل فأفاد ضعفه، لكن جزم بما ذكره الشارح في الوقاية والإصلاح والملتقى، وأشار إليه في الهداية والجامع الصغير، فيفيد ذلك أنه المعتمد لأن المتون مقدمة على الشروح، وبه جزم الأتقاني مستندا إلى ما في شرح السرخسي، لأن حق وارثه هنا معتبر بسبب الأمان، ولو كان له وارث آخر ثمة شارك الحاضر ولم يكن للموصى له إلا الثلث ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله كذا في الوقاية‏)‏ كان ينبغي ذكره عقب قوله لا وارث له هنا ليشير به إلى مخالفة الزيلعي كما ذكرنا ‏(‏قوله ولا عبرة بمن ثمة‏)‏ أي بورثته الذين هناك‏:‏ أي في دار الحرب، أي لا يراعى حقهم في إبطال الزائد على الثلث ‏(‏قوله ورد باقيه لورثته‏)‏ مراعاة لحقه أي لا لحقهم، فمن حقه تسليم ماله إلى ورثته إذا فرغ من حاجته وتصرفه إتقاني ‏(‏قوله لا إرثا إلخ‏)‏ كذا في المنح أول الوصايا، وهو نفي لما يتوهم من قوله لورثته، وبيان للفرق بين هذه المسألة والتي قبلها، فإنه هناك لم يرد ما زاد على الثلث إلى ورثته لأن له مستحقا وهو الموصى له بالكل ‏(‏قوله وكذا‏)‏ أي تصح ‏(‏قوله لما قلنا‏)‏ من أنه لا عبرة بورثته ثمة إلخ ‏(‏قوله على الأظهر‏)‏ مقابله ما عن الشيخين من عدم الجواز لأنهم في دارهم حكما حتى يمكن من الرجوع إليها فصارت كالإرث‏.‏ ووجه الأول أنها تمليك مبتدأ ولهذا تجوز للذمي والعبد بخلاف الإرث زيلعي قوله وصاحب الهوى‏)‏‏.‏ قال السيد الجرجاني في تعريفاته‏:‏ أهل الهوى أهل القبلة الذين لا يكون معتقدهم معتقد أهل السنة، وهم الجبرية والقدرية والروافض والخوارج والمعطلة والمشبهة، وكل منهم اثنتا عشرة فرقة فصاروا اثنين وسبعين ‏(‏قوله إذا كان لا يكفر‏)‏ أي به فحذف الجار لظهوره ط ‏(‏قوله فتكون موقوفة‏)‏ أي إن أسلم نفذت، وإن مات على ردته بطلت كسائر تصرفاته

‏(‏قوله كذمية في الأصح‏)‏ فتصح وصاياها هداية، وقيل لا‏.‏ قال صاحب الهداية في الزيادات‏:‏ وهو الصحيح لأن الذمية تقر على اعتقادها بخلاف المرتدة‏.‏ قال في العناية‏:‏ والظاهر أنه لا منافاة بين كلاميه‏:‏ أي صاحب الهداية لأن الصحيح والأصح يصدقان ا هـ‏.‏ أي كون أحدهما أصح لا ينافي كون الآخر صحيحا، ورجح الزيلعي الأول ‏(‏قوله الوصية المطلقة‏)‏ أي التي لم يذكر غني ولا فقير فيها، والعامة ما ذكرا فيها ط ‏(‏قوله وهي على الغني حرام‏)‏ ولا يمكن جعلها هبة له بعد موت الموصي، بخلاف الصدقة عليه حالا فإنها تجعل هبة؛ لما قالوا‏:‏ إن الصدقة على الغني هبة، والهبة للفقير صدقة ط ‏(‏قوله وإن عممت‏)‏ إن‏:‏ وصلية، وظاهره أن الوصية هنا صحيحة، بخلاف ما لو خصها بالأغنياء فقط، إذ لا يمكن جعلها تمليكا لأنهم لا يحصون، ولا صدقة لأن اللفظ لا ينبئ عن معنى الحاجة على ما قدمه عن الاختيار في باب الوصية للأقارب‏.‏ ‏(‏قوله والغني لا معين‏)‏ عبارة الدرر لا يعين‏.‏

‏(‏قوله وكذا الحكم في الوقف‏)‏ يعني أن الوقف المطلق يختص بالفقراء لا يحل للغني وإن عمم الواقف، وإذا خصصه بغني معين أو بقوم محصورين أغنياء حل لهم ويملكون منافعه لا عينه درر‏.‏ ويشكل عليه ما صرحوا به من أن السقاية والمقبرة والرباط ونحو ذلك يجوز أن ينتفع بها الفقير والغني لأن الوقف يقصد بها العموم، فإذا اكتفى بقصده العموم كيف يمتنع مع التنصيص عليه فليحرر ا هـ‏.‏ رحمتي ‏(‏قوله المتولي على الوقف كالوصي‏)‏ أي في كثير من الأحكام، ولهذا قالوا‏:‏ إن المتولي أخو الوصي، ومناسبة ذلك هنا ما ذكره من اتحاد حكم الوقف والوصية فيما مر، فقد قالوا أيضا‏:‏ إنهما أخوان، وقالوا‏:‏ الوقف يستقي من الوصية، وقالوا‏:‏ إنهما يستقيان من واد واحد

‏(‏قوله يعني لغير قرابة الولاد‏)‏ أي بغير الأصول والفروع، وهذا التقييد ذكره في القنية أخذا مما قاله أبو القاسم‏:‏ لو أوصى أن يعطى عن كفارة صلواته لولد ولده وهو غير وارث فإنه يعطى كما أمر ولا يجزيه عن الكفارة ‏(‏قوله ممن يجوز صرف الكفارة إليهم‏)‏ بأن يكونوا مسلمين محتاجين ط ‏(‏قوله ولأحدهم‏)‏ أي ولا يشترط الجمع لأن أل الجنسية أبطلت معنى الجمعية ط ‏(‏قوله فلو منهم صغير‏)‏ الأولى زيادة‏:‏ أو غير محتاج لتتم المحترزات ط ‏(‏قوله لم يجز‏)‏ أي لأنه من قبيل الوصية للوارث فتحتاج إلى إجازة جميع الورثة، ولم توجد من الغائب وغير الراضي ولم تصح من الصغير، وهل هذه الشروط للقسم الثاني أو للقسمين‏؟‏ أي كفارة الصلاة والتبرع يحرر رحمتي

‏(‏قوله أوصى بكفارة صلاته‏)‏ نص على الكفارة، لأنه لو أوصى لمعين بوصية تعين دفعها إليه بلا خلاف ط ‏(‏قوله لم تجز لغيره‏)‏ أي لم يجز للقاضي والوصي الصرف إلى غيره منح ‏(‏قوله لفساد الزمان‏)‏ وطمع القاضي وغيره منح، فإنه ربما لا يصرفها إلى أحد إذا جوزنا له منعها عمن عينه الميت لعدم من يطالبه بها ‏(‏قوله أوصى لصلواته‏)‏ أو صياماته منح ‏(‏قوله لم تجزه‏)‏ وقيل تجزيا‏.‏ قال في القنية‏:‏ قال أستاذنا والأول أحب إلي حتى توجد الرواية ‏(‏قوله ثم التصدق عليهم‏)‏ أي بنية الفدية وإلا لم يفعل المأمور به تأمل ‏(‏قوله ثلثها‏)‏ أي ثلث التركة ‏(‏قوله بخلاف الدين‏)‏ أي في المسألة السابقة فإنه مقبوض قبل الموت‏.‏ بقي لو أوصى بكفارة صلواته والمسألة بحالها هل يجزيه لحصول قبضه بعد الموت أو لا يراجع

‏(‏قوله فباعها‏)‏ أي الموصى له بعد موته‏:‏ أي الموصي ‏(‏قوله لجواز التصرف إلخ‏)‏ لأنه دليل القبول ‏(‏قوله فالمتولي أولى من الأب‏)‏ إن ليس من قبيل وصي الأم حتى يتأخر عن الأب لأن ولاية المتولي على الوقف لا على الولد ‏(‏قوله يؤخذ الثمن‏)‏ أي من تركة المشتري للموصى له ويرجع ورثة المشتري به على الشفيع كما في المنح‏.‏

‏[‏فرع‏]‏

أوصى بوصايا ثم قال والباقي للفقراء فمات بعض من أوصى لهم يصرف ذلك إلى الفقراء، لأنهم لما ماتوا لم يجد الوصي نفاذا فيهم فيبقى الباقي وذلك للفقراء ولوالجية، والله أعلم‏.‏